Liquid error (sections/custom_mobile-menu line 86): Expected handle to be a String but got LinkListDrop
  • Group 27 Connexion

جسر الإيمان رسالة إلى حكماء الإسلام
الجزء الثاني

 

الجزء الثاني

في الجزء الأول من هذه الرسالة أوضحتُ كيف يمكن من حيث المبدأ قبول الإسلام من وجهة النظر اليهودية وإمكانية التوافق بين الديانتين وتعاونهما بشكلٍ مفيد وفعَّال. وكيف أن هذا يعتمد على اعتراف الإسلام باليهودية كديانة تحمل رسالة عالمية تستهدف جميع البشر، كما أنها تشتمل على وصايا فريدة من نوعها أعطاها اللَّه لبني إسرائيل وخصَّ بها  اليهود فقط. بالطبع، هناك قضايا أخرى هامّة على طريق تشكيل جسر الإيمان والسلام بين أبناء إبراهيم، وعلى رأسِها مكانة محمد كنبيِ للإسلام.

مكانة النبي محمد من منظور اليهودية

تتم مناقشة مكانته كنبي للإسلام في إطار اليهودية فقط، ليس من حيث شخصيته وأعماله، ولكن بشكل رئيسي فيما يتعلق بالادعاء المطروح في الإسلام بنسخ شِرعَة موسى.

وفقًا لليهودية، يجب على الشخص الذي يريد أن يكون مقبولًا كنبي أن يستوفي عددًا من المتطلبات. سنشير هنا إلى بعضِها المتعلق بموضوعِنا. الشخص المدّعي للنبوة الإلهية لا يمكنه التكلم باسم آلهة وثنية. قد يمكنه أمر فريقًا ما بتعليق بعض وصايا الله بشكل مؤقَّت وليس دائم. ولا يمكن لنبي أيًا من كان أن يقوم بإلغاء توراة موسى.

ونظرًا للاعتقاد السائد في الإسلام، فقد دعا محمدٌ اليهود إلى التخلي عن اليهودية، لذا لم يتم قبول كلامه من قبل اليهود. كتب الرمبام موسى بن ميمون:  

"لن نؤمن بنبوة زيد أو عمر، ليس لأنهما من غير اليهود، كما يظن الجمهور، نحن نؤمن بنبي أو نكذّبه بسبب [محتوى] نبوته وليس بسبب نشأته."

السؤال هو إن كان محمد قد قصد إلغاء تطبيق توراة موسى بالنسبة لليهود أو ربما كان قصده فقط نقل دين جديد للعرب أو الأمم الأخرى، فهو سؤال يحتاج إلى إجابة من حكماء الإسلام.

وفي هذا الصدد، يمكننا التمييز بين كلمات محمد المكيَّة، حيث لا توجد أي إشارة لإلغاء توراة موسى، بل على العكس - تحمل علاقة إيجابية تجاه اليهود وتلميحات عن قدسية التوراة. أما تلك المدنية حين اشتدت المواجهة مع اليهود، ظهرت إدعاءات بأن اليهود زوروا الكتب المقدسة.

هل يتسنى لعلماء الإسلام رؤية الرسالة الأساسية للقرآن على أنها تلك التي نزلت في الفترة المكيَّة تحديدًا؟ هذا سؤال مفتوح بالنسبة لنا، وقد يفتح آفاقًا لفهم أعمق في المستقبل.

هل يمكن أيضًا القول في تفسير القرآن أنَّ محمدًا لم يُرِد إلغاء شرعة موسى؟ هل يمكن أن يكون توجُّه محمد هو أن اليهود يظلون على دينهم، وأن الإسلام ينشُر بشارة التوراة وأخلاقياتها بين بقية البشر؟ على الرغم من أن هذا التفسير ليس هو الفتوى الرسمية للإسلام في الوقت الحاضر، إلا أنه بالتأكيد ممكنًا وفقًا للنصوص القرآنية نفسِها في العديد من الآيات مثل:

البقرة: آية 40

"يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ.."

البقرة:آية 47

"يَٰبَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَنِّي فَضَّلۡتُكُمۡ عَلَى ٱلۡعَٰلَمِينَ"

آل عِمران: آية 50

"وَمُصَدِّقٗا لِّمَا بَيۡنَ يَدَيَّ مِنَ ٱلتَّوۡرَىٰةِ…"

المائدة: آية 44

"إِنَّآ أَنزَلۡنَا ٱلتَّوۡرَىٰةَ فِيهَا هُدٗى وَنُورٞۚ يَحۡكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسۡلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيۡهِ شُهَدَآءَۚ…"

فاطر: آية 43

"...فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبۡدِيلٗاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحۡوِيلًا"

يونس: آية 94

"فَإِن كُنتَ فِي شَكّٖ مِّمَّآ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ فَسۡـَٔلِ ٱلَّذِينَ يَقۡرَءُونَ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكَۚ لَقَدۡ جَآءَكَ ٱلۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡمُمۡتَرِينَ "

تجدر الإشارة إلى أن أحد حكماء إسرائيل في اليمن في القرن الثاني عشر، الحاخام نتنائيل الفيومي، في كتابه "بستان العقول"، قد قدم تفسيرًا مماثلاً لآيات القرآن.

 فإذا اعتقد شخصٌ ما حقاً في محمد أنه كان نبيًا أُرسِلَ إلى العرب وبقية الأمم، ولم يأتِ كي يلغي توراة موسى، فإن هذا الموقف سيكون مقبولًا أيضًا وفقًا لليهودية.

وعلى الرغم من أنه يجب أن يكون هناك دليل إيجابي على نبوّة محمد ليتم قبوله كنبيٍ لليهود، إلاّ أن اليهودية لا تعترض على غير اليهود الذين يؤمنون بهِ ويقبلونه كنبيٍ لهم. كما يجب علينا أيضًا أن نشير إلى أن اليهودية والإسلام تتضمنان العديد من الوصايا الشرعية نفسها، مثل الامتناع عن تناول لحم الخنزير والمتطلبات الغذائية الشرعية واللباس المحتشم وما إلى ذلك.

مستقبل العلاقات بين دولة إسرائيل والعالم الإسلامي

أحد العراقيل الأساسية التي تعترض الحوار البنّاء بين اليهودية والإسلام هي ادّعاء المسلمين بأن اليهودية دين وليست قومية أو أمَّة. لهذا السبب، فإنه منتشر جداً بين المسلمين إظهار الاحترام لليهود المتدينين وليس لغير المتدينين منهم. من وجهة نظر اليهودية، فإن الأمة اليهودية أساسًا هي أمّة قد تسلمت التوراة، وحتى قبل تسلُّم التوراة، أورثها الله أرض إسرائيل وعاهدها على ذلك. لذا، فإن جميع أحفاد يعقوب هم جزء من الأمّة اليهودية، سواء أكانوا يؤمنون بالتوراة أو لا يؤمنون، وبالتالي فهم مشمولون أيضًا ضمن ورثة أرض إسرائيل.

أيام السبي اليهودي، تم احتلال أرض إسرائيل وفقد الشعب اليهودي استقلاله وسيطرته على أرضِهِ التاريخية، واستمرت الأمة الإسرائيلية كجماعة دينية فقط، أبناء للديانة اليهودية. وتلاشى الجانب القومي إلّا من القلب والذاكرة، وظلّت أمّة إسرائيل حيّة  مستمرة في الوجود.

عندما نشأ الإسلام في القرن السابع الميلادي، كان اليهود قد فقدوا هيبتهم الوطنية لعدة قرون، وعاشوا كلاجئين بين شعوب العالم. في هذا السياق، قام الإسلام بالتمييز بين "بنو إسرائيل" المحترمين من زمن القدماء وبين "اليهود" المُستَخفّ بهم من المعاصرين.

ربما وبشكلٍ مفاجئ، يحمل هذا التمييز في طيّاته فرصة سانحة للمصالحة مع اليهودية اليوم، إذا فهمت الأمة الإسلامية أن دولة إسرائيل الحديثة ليست إلَّا تجسيد للوعد الإلهي بعودة شعب إسرائيل إلى أرضه، كما ذُكر مرارًا في المصادر الإسلامية:

المائدة: آية 20 - 21

"وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ (20)

 "يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ" (21)

لذلك، لا يمكن اعتبار دولة إسرائيل كيانًا أجنبيًا يفرض نفسه على العالم الإسلامي، على العكس من ذلك، ينبغي النظر إليها على أنها تحقيق للعدالة الإلهية كما وردت في القرآن والتوراة: عودة الحق الإلهي بإعادة الأرض لأصحابها الشرعيين. وينبغي الاعتراف بأنه عندما تأسست إسرائيل عام 1948، لم يُسلَب الحكمُ السياسي من العرب بل من البريطانيين الذين انتزعوها من العثمانيين.

ومن الجدير بالذكرأيضًا، أنه في عام 1918، تم عقد لقاء بين صاحب السمو الملكي فيصل الأول ابن الحسين بن علي الهاشمي أمير الحجاز، وحاييم وايزمان، ممثل المنظمة الصهيونية، مما أدى إلى اتفاقية لندن عام 1919 بشأن التعاون بين الحركة القومية العربية والحركة الصهيونية.

وعلى أساس من الأخوة بين أبناء إبراهيم، من الممكن أن تنشأ فترة مزدهرة في ظل السلام ورفع العالم نحو الكمال.

جسر الإيمان العملي - أهمية شريعة "أبناء نوح" لدى المسلمين

من حيث المبدأ، يقبل الإسلام الالتزام بنفس مجموعة الوصايا التي تسميها اليهودية "الوصايا السبع لأبناء نوح". من وجهة نظر اليهودية، أنه إذا امتثل الشخص غير اليهودي لهذه الوصايا السبع، واعترف بأن الله الواحد الأحد ألزمها جميع البشر، فإنه يفي بواجبه. تشكل هذه الوصايا نقطة اتصال بين اليهودية والإسلام، وهي: حظر عبادة الأصنام، وحظر تدنيس اسم اللَّه، وحظر القتل، وحظر الزنا والشذوذ الجنسي، وحظر السرقة، وحظر تناول لحم حيوان تم تمزيقه وهو حي، والإلتزام بإنشاء محاكم عدل ونظام جزائي.

الحقيقة هي أن هذه الوصايا السبع مقبولة ضمنًا في الإسلام، ومن منظور اليهودية، فإن كل من يلتزم بها فهو مقبول ومشروع بين المؤمنين، ولهذا تبعات شرعية مهمة لبناء جسر بين المؤمنين بالله الواحد.

والطريقة المعتادة للاعتراف بكون الشخص "نوحي" (بن نوح) أو "جِر توشاف" (مقيم) وفقًا للقانون اليهودي، هي إجراء إعلان عام أمام محكمة مؤلفة من ثلاثة رجال دين يهود معتمدين، بأنه يقبل على نفسه الوصايا التي أُعطيت لجميع نسل نوح. وترى بعض السلطات اليهودية أنه إذا قبلت أمة بأكملها هذه الوصايا السبع، مثل أمة الإسلام، فليس من الضروري الإعلان الفردي لكلٍّ على حدة. وبالتالي، في حين أنه يجب على أتباع الأديان الأخرى التخلى عن ديانتهِم لكي يتم قبولهم كـ"نوحيين" أو "غيريِّين صالحين" (أتقياء العالم من غير اليهود)، فإنه من الممكن قبول المسلمين بهذا الشكل بواسطة اليهودية دون اتخاذ إجراءات محددة. القضية الوحيدة التي يجب معالجتها تتعلق بمصدر الالتزام باتباع هذه الوصايا. بالنسبة لليهودية، من أجل أن يُعتبر شخصٌ ما "غير يهودي صالح" وأن يكون له نصيب في العالم الآخر جنبًا إلى جنب مع أبناء إسرائيل، يجب أن يقبل الوصايا ويطبقها لأنه تم الأمر بها من خلال توراة موسى على وجه التحديد. أما من يُطبِّق هذه الوصايا لأنها منطقية، أو على سبيل التزام عام بالأخلاق أو أي مصدر آخر غير ورودها في توراة موسى، فهو يُقبل بشكل إيجابي ويعترف به كجزء من "حكماء أمم العالم"، ولكنه لم يصل إلى المستوى الروحي لـ "أتقياء أمم العالم".

إذاً، فإن الوضع المستوفى للنوحيين يتم منحه فقط لشخص قبل القوانين السبعة صراحةً من خلال الإلتزام بالتوراة الموسوية. ومع ذلك، فهناك حلٌ وسط، أن يُعلن شخص ما لنفسه فقط قبول وصايا نوح السبع بدون علانية. هناك مغزى كبير لهذا التصريح الشخصي، ويمكن اعتبار من يقبل هذا المسار شخصًا نوحيًا بدون خلق صدعًا علنيًا بينه وبين المجتمع الذي ينتمي إليه.

يمكن أن يكون هذا التمييز ذو أهمية خاصة في بناء جسر بين معتقداتنا، حيث يمكن للمسلم أن يعيش بسلام حتى في الأرض التي مُنحَت لليهود. ولكن لكي يصل المسلم للمكانة التي منحها الله من تقدّس فريد، يجب عليه أن يعترف بأن إرادة الله هي أن تكون أرض إسرائيل تحت سيادة يهودية وأن النبوّة التي أُعطيت لمحمد لا تلغي التوراة. شخصٌ كهذا يتبنى مثل هذا الموقف الذي يعترف فيه بالعدل الإلهي تجاه اليهود، هو بالتأكيد على مستوى روحي فريد، ويجب على اليهودية أن تعترف به كذلك.

إزالة العوائق بين الإسلام واليهودية

من أجل أن تقبل اليهودية الإسلام كديانة شرعية لجميع الشعوب بل وتمنحها بركاتها أيضًا، يجب الإتفاق على ثلاثة أمور:

  • الاعتراف بالإسلام كديانة موازية لليهودية وليست بديلاً عنها، وأن نبوّة محمد لم تأتي لإبطال توراة موسى.
  • الاعتراف بأن التوراة هي كلام الله الذي يحمل رسالة لجميع البشر. وهذا يتطلب التخلي عن ادعاء التحريف، حتى يتم الاعتراف بأن اليهودية هي الدين الذي صدّق عليه الإسلام.
  • الاعتراف بالوعد الإلهي بعودة الشعب اليهودي إلى وطنه التاريخي وبسط سُلطته عليه كما جاءَ صريحًا في القرآن.

هناك مسالك داخل التقليد الإسلامي نفسه يمكن أن تكون مفيدة في تحقيق مثل هذا الاتفاق. من الواضح أن أيًا من المسائل المذكورة أعلاه ليست مسائل تافهة، ولا يُرجّح أن تكون مقبولة بشكل فوري أو كامل من قِبَل المسلمين. ولكن من الممكن بدء هذه العملية بمجرد توضيح بعض القضايا. مثلًا  التلميح الذي جاء في كلام ملاك الله لهاجَر، أم إسماعيل الذي يُعتبر مؤسس الشعب العربي.

 "ارجعي إلى سيدتك" (سفر التكوين 17:9). كانت هاجر قد حاولت التفوق على سارة، أم إسرائيل، في مطالبة أدت فيما بعد إلى نفي أن الإسلام كان في حد كبير مُستوحى من اليهودية. يتحدث الله إلى هاجر من خلال ملاك يبشرها بأنها ستلد ابنًا يُدعى إسماعيل، ويباركها بالنجاح، ولكن يَشترِط ذلك بقبولها سارة كسيدتها، بمعنى أن هذا هو مطلب للإسلام أن يعترف بأن أصوله كديانة قد نشأت من اليهودية.

شخصية إسماعيل في التوراة

تناولت التوراة شخصية إسماعيل جد العرب في: 1- وحي ولادته، 2- طرده من ممتلكات إبراهيم، 3- مشاركته في جنازة إبراهيم و 4- زواج ابنته

1- وحي ولادة إسماعيل يأتي عن طريق ملاك، أثناء هروب والدته هاجر من سيدتها سارة. يعدها الملاك بالنجاح شرط العودة إلى سارة. فإذا تم قراءة ذلك في سياق تاريخي، فإن نجاح ذرية إسماعيل مشروط بالاعتراف بأصلهم العبري ودينهم، وفهمهم أنه لا يهدف لاستبدال توراة إبراهيم وسارة واليهود.

2- طرد إسماعيل من ممتلكات إبراهيم يأتي على خلفية سخريته وضحكه خلال الوليمة التي أُقيمت تكريماً لإسحاق. هناك آراء متباينة بين حكماء اليهود حول جوهر هذه السخرية. رأى البعض في ذلك دليلًا على خطايا خطيرة قد تجعل إسماعيل غير مناسب لبيت إبراهيم. ورأى آخرون في سخرية إسماعيل محاولة لإلغاء حقوق إسحاق في ورث أبيه إبراهيم. وبناءً على ذلك، ينبغي أن نميّز بين فترة ذرية إسماعيل خارج التقليد الإبراهيمي - التي يُمثلها "عصر الجاهلية" قبل الإسلام - وبين الفترة التي عادت فيها ذرية إسماعيل إلى قيم التقليد الإبراهيمي - الإيمان بوحدانية الله - على الرغم من عدم قبولها لشرعية إسحاق.

3- مشاركة إسماعيل في جنازة إبراهيم تمثل نقطة تحول هامّة. يقول النص: "ودفنه بنوه إسحاق وإسماعيل". من خلال وضع إسحاق أولاً، يعترف إسماعيل بشرف وأفضلية إسحاق، فيما يعتبره الحكماء فعلاً من التوبة. ويعني ذلك أن توبة إسماعيل يجب أن تشمل اعترافه بأن بني إسرائيل هم المالكون الحقيقيون لأرضهم.

4- تتزوج ابنة إسماعيل من عيسو، شقيق يعقوب المعادي. هذا تلميح إلى أن أحفاد عيسو في وقت لاحق في التاريخ قد يحاولون أن يحرِّضوا أحفاد إسماعيل ضد إسرائيل. هذا تحذير من محاولات غير شرعية لإلغاء اختيار الله لليهود.

التوراة الشفوية - إسهام اليهودية المحتمل في الإسلام

إن محاولة بناء جسر لاهوتي بين ديانتين قد تبدو جريئة، خاصة وأن هذه المبادرة تأتي حاليا من إحدى الديانتين فقط. لكن هناك دائمًا مسارات يمكن من خلالها التقريب بين مواقف الاثنتين. في كثير من الأحيان، يعمل واقع الحياة المشتركة على استدعاء حلول عملية أو حتى أيديولوجية. 

أحد الأزمات التي واجهت الإسلام في الأجيال الأخيرة هو صعوبة التكيف مع الحداثة مع البقاء مواليًا لعقيدته. في اليهودية، هناك آليات موجودة بالفعل لتطبيق كلام الله على احتياجات الوقت دون الزيغ عن الموقف الأرثوذكسي. إنه آلية التوراة الشفهية التي تمتلك القدرة على إعادة تفسير الكتابات المقدسة وفقًا لرأي حكماء كل جيل. وبالفعل، يعمل العلماء اليهود باستمرار على تحديث القانون اليهودي من أجل التعامل مع تحديات المرحلة، دون التخلي عن الولاء لمصادرهم الأصلية. ربما يجد العلماء الإسلاميون إلهامًا في هذا المسلك في محاولاتهم لتصنيع مسار للعالم المسلم نحو الحداثة وضروريّاتها، في حين أنهم يبقون موالين لجذورهم.

صعوبة أخرى تواجه تطور الإسلام هي المبدأ القائل بأن كل أفعال محمد تعتبر قدوة حتى تلك التي تتناقض مع الوعي الأخلاقي. وفقًا لهذا المبدأ، تكون الأخلاقيات تحت تبعية المعتقدات الدينية. أما اليهودية، فتعتبر الأخلاقيات هي المرجعية الأساسية، وهذا يظهر في العبارة الربانية "السلوك الأخلاقي السليم يسبق الشريعة". في اليهودية، هناك مبدأ ينص على أن الأخلاقيات لا تتحدد بسلوك قادة الأمة، مهما كانوا. غالبًا ما نجد الحكماء اليهود ينتقدون حتى الملوك والأنبياء. اعتماد مثل هذه المواقف سوف يسمح للإسلام بتحرير نفسه من التكليف الديني بقبول كل إجراءات محمد كأفعال تستحق المحاكاة.

وعلى الرغم من أن هذه الرسالة تتضمن دعوة لإعادة النظر في بعض جوانب اللاهوت الإسلامي، فإنها ليست لتجريف الفكر الديني الفريد للإسلام الذي يستحق الاحترام باعتباره أحد مسارات البشرية لقبول نير ملكوت السماوات.

باختصار، حاولنا أن نعرض بوضوح موقف اليهودية تجاه الإسلام. بعد توضيح الأسس، خاصة في زمن النهضة الوطنية للشعب اليهودي، وأنه من الممكن أن نرى تطورات إيجابية في العالم الإسلامي.

 خالص تحياتي

الحاخام أوري شِرْكِي

رئيس مؤسسات بريت عولام

انقر هنا للحصول على الجزء الأول من مشروع القانون

 

Articles liés

Recherche